من المتعارف علية أن مصطلح الحداثة يبدأ مع الانطباعية , وان لم تتضح منطلقاتة الأساسية إلا في بداية القرن العشرين وعلى الأخص في السنوات العشر الأولى منة , بيد أن جذور هذا المفهوم تبقى وثيقة الصلة والاتصال بما شهده العالم من تغيرات أدت إلى تحول الفن التشكيلي إلى ما نطلق علية الفن الحديث .
وإذا ما أردنا تقصى الأسباب التي مهدت لظهور الفن الحديث فأنة لزاما علينا العودة إلى القرن التاسع عشر بمفاهيمه الرافضة للتقاليد الأكاديمية والكلاسيكية الموروثة في الفن التشكيلي من القرون الوسطى ,هذه المرحلة التاريخية التي تتشابه في أحداثها مع فترة القرن الخامس عشر والذي مهد للنهضة الايطالية , فالقاسم المشترك بين الفترتين هو الموقف الرافض لتقاليد ومفاهيم تعود إلى القرون الوسطى ومصطلح الفن الحديث كما يعرفه قاموس المورد هو "نزعة في الفن تهدف إلى قطع كل الصلات بالماضي والبحث عن أشكال جديدة للتعبير" هذه النزعة تم تاريخها في الفترة من عام 1860م وحتى عام 1970م وكان أهم ما يميز تلك الفترة هو عدم اهتمامها بالتقاليد القديمة في الفن التشكيلي ولا العرف الخاص بمفهوم فن الصالونات , ولكنة يتعدى ذلك ليتبدل إلى مفهوم طليعي يبحث عن كل ما هو جديد ومغاير ومختلف , مستندا إلى معطيات العصر المعلوماتية والمعرفية والتقنية , فلم يتعرض الفن الحديث في البداية إلى مسالة الأسلوب وتركزت اهتمامات الحداثيين حول الموضوع والمضمون فتحول الاهتمام من التركيز على الموضوعات التاريخية إلى مظاهر الحياة اليومية والطبيعة و ولقد أدى هذا إلى تبدل رؤية الفنان كما ظهرت تقنيات وطرق أدائية جديدة لم تكن مطروحة من قبل في الفن التشكيلي.
وكان من أهم المفاهيم المرتبطة بالفن الحديث فكرة التجريب experiment حيث أصبح الفنانون يبحثون من خلال تجاربهم الإبداعية عن خصائص جديدة للفن من منطلق أن الفن يخدم الفن, ومن هذا المنطلق لم يصبح للمبررات الاجتماعية والموضوعات التاريخية سطوة على الإنتاج الفني , هذا الموقف أدى إلى تعميق مفهوم الواقع ونشرة بشكل غير متوقع كما كشف في الوقت نفسه عن ملامح جديدة لهذا الواقع , والى تكوين قاموس مفردات فنية تشكيلية مخالف لما كان علية الفن من قبل.
وهكذا اعتبر الفن الحديث على أنة أسلوب خاص وطريقة معالجة جديدة للعمل الفني بعد أن أصبح في حد ذاته هدفا , وأصبح معيار القيمة لا يقاس على أساس الشيء الذي يمثله العمل الفني بقدر ما يمثله العمل الفني ذاته , فعلى سبيل المثال تحول فن التصوير من حالته القديمة التي كان أساس معيارها الجمالي هو المحاكاة التسجيلية الوصفية إلى مفهوم جديد ارتبط بأحداث المجتمع حيث أصبح الفن هو انعكاس حقيقي أو شاهد عيانى لمعطيات العصر , فجاءت المستقبلية futurism تعبر عن مفهوم الحركة والسرعة للتعبير عن دينامية الحياة , والبنائية constructivism تعبر عن ردة فعل للعلم ومعطياته الجديدة , كما كانت التعبيرية expressionism تقدم رؤية جديدة لفنون الحضارات القديمة والبدائية والفنون الأفريقية و كما قدمت التكعيبية cubism نماذج تشكيلية جديدة مستندة إلى التقابل وإعادة البناء على أساس هندسي للأشياء دون التقيد باى منهجية تصويرية تقليدية , كما تخطت التجريدية abstract الصورة والتمثيل الصوري رافضة بذلك المحاكاة والتقيد بالمنظور , وجاءت السريالية surrealism لتعبر عما هو غير مرئي واللاعقلاني والتقابل اللغزى للأشياء .
وعلى هذا اكتسب العمل الفني في فترة الحداثة قيمة ذاتية وتخطى النموذج المثالي لعصر النهضة ليقدم نموذجا جديدا يعبر عن إدراك الفنان للواقع وقدرته على إعادة تفسير هذا الواقع , فكانت فنون الحداثة على تنوعها وتمايزها وتعدد اتجاهاتها ومصادرها تجمع بين التجديد والتحول استنادا إلى الواقع الجديد كما رفض فنانوها التصور الذي بقى مسيطرا على الفن التشكيلي حتى أواخر القرن التاسع عشر , فنحرر الفن من وظيفته التسجيلية الوصفية ليقدم نتاجا جديدا يتلاءم مع الذوق السائد ومتطلباته