بسم الله الرحمن الرحيم
أكثر
الموضوعات التي قد تراود"المسلم المتديّن" في مضمونها وحكمها شكّ موضوع "الحب". فتوجّس
المسلم المتديّن من الحب يتبع إحساسه الداخلي عندما يتعدّى
شعور الإعجاب أو الاهتمام بشخص ما حدّه الطبيعي. وأحد أهمّ الأسئلة التي يطرقها الإنسان
المتديّن: هل الحب في الإسلام حلال أم حرام؟ وهو سؤال يفتح
بابا واسعا من القراءة الشرعية في ضوء الفواعل النفسية وتحكمها في الفرد.
وبالعودة للسؤال الأوّل عمّا إذا كانت
مشاعر الحبّ بين الجنسين غير المتزوجين جائزة في
الإسلام أم أنّها تندرج ضمن نطاق المحرّم الذي يجب على المسلم تجنّبه؟ وإذا جازت هذه المشاعر فما
هي حدودها وضوابطها وما هو مصيرها؟
على المسلم أن يضع في اعتباره
بداية قول الرسول(صلّى الله عليه وسلّم) "الأرواح
جنود مجنّدة، ما تعارَف منها ائتَلفَ وما تناكر منها اختلف".
إذاً
فمشاعر الارتياح والميل نحو شخص ما أو حتى النفور منه هي مشاعر تلقائية لا تعرف عند نشوئها
التخطيط المسبق إلاّ أنّها لابدّ وأن تسير ضمن نسق
وإطار محدّد رسمته الشريعة كي لا تكون مشاعر الحب للآخرين معول هدم وتدمير لحياة الفرد.
فالإسلام لم يطارد المحبّين ولم يطارد
بواعث العشق والهوى في النفوس ولم يجنح لتجفيف
منابع العاطفة، بل على العكس قال الرسول صلى الله عليه وسلّم مخالفاً
في ذلك الكثير من الأعراف الإجتماعية القديمة في عدم تزويج المحبّين
خوفاً على سمعة الفتاة: "لم يُر للمتحابين مثل النكاح" فجعل النهاية المأمولة لكلا
الطرفين بالزواج الذي حضّ عليه رسول الله صلّى الله عليه
وسلّم متّبعاً في حديثه هذا طريقة غير مباشرة في التوصية على عدم الوقوف في وجه المتحابّين
وعرقلة اجتماعهما على الخير.
كما أنّ الحب في الإسلام حبّا راقيا
لا يضع معايير الشكل الخارجي في الحسبان فقط.
فكان حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن صفات الفتاة التي يعدّ الزواج والقرب منها ظفراً
للمسلم فقال"تنكح المرأة لأربع، لحسبها ولجمالها ولمالها
ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك".. وبذات الوقت الذي تفهّم فيه الإسلام نفسيّة الإنسان
وأقر له باحتمالية وجود ونشوء مشاعر الحبّ نحو الآخر
إلاّ أنّه قد وضع لها من الضوابط ما يهذّبها ويسير بها نحو طريق الأمان فكان الزواج هو واحة
المتحابّين الوحيدة في التشريع الإسلامي.
والحب قد يُولَد سريعا من نظرة
عابرة، بل قد يولد بسماع الأذن دون مشاهدة، وهنا قد
يزول وقد يبقَى ويشتد إن تَكرَّر أو طال السبب المولِّد له من رؤية للشخص المحبوب أو الحديث معه
أو تذكّره والتفكير فيه، فبمعرفة السبب الموّلد
له نكون قد وضعنا أيدينا على حكم الحبّ، فإذا كان من ذلك الذي قد يصيب الإنسان من النظرة
الأولى وبالمصادفة فيكون ضمن الحبّ الاضطراري والذي
لم تتدخّل النيّة البشرية في حدوثه أو تغذيته وهذا بفتاوى العديد من الأئمّة يدخل ضمن المصادفة
ولا يحكم عليه بحلّ ولا حرمة. أمّا النوع الثاني
وهو ذلك الذي يغذّيه مسبّبّه من رؤية وحديث مع المحبوب على هيئة لقاءات ونزهات وأحاديث
هاتفية وخلوة أو رسائل وتبادل صور ومتعلّقات فذلك من
النوع المحرّم قطعاً والذي قد يقود الإنسان نحو الهاوية إذا لم يتراجع ويحكّم شرع الله في كبح جماح
عاطفته. فالحبّ الذي لا يتعدّى حدود الإعجاب والذي
لم يصاحبه محرّمات فصاحبه يدخل ضمن نطاق المعذور. لكن إذا ما بدأت المحرّمات تتولّد بسببه
فحكمه بدون جدال عند الفقهاء هو "الحرمة".