ان الإنسان يجيد معرفة اللغة الأم وفهم جمال اللحن والإحساس به في سنوات الطفولة.والطفولة مرحلة مستحيلة بدون الموسيقى شأنها شأن اللعب والحكايات .
ذات يوم من ايام الصيف الهادئ جلست وحفيدتي في الحديقة التي ازدانت بالزهور الجميلة . كانت هناك نحلة تحلق فوق الأزهار .لاحظت بأن الطفلة ، ولم يتجاوز عمرها الثلاث سنوات ، تصغي الى طنين النحلة وهي ترتفع فوق الزهرة تارة ، ثم تهبط تارة اخرى.سألتها :" ماذا تفعل النحلة ؟ "فتجيبني "اززز" وفي كل مرة ترى نحلة تنصت اليها فتلك هي قوة الموسيقى .واكتشفت بان الإنسان يجيد معرفة اللغة الأم والقدرة على ادراك وفهم جمال اللحن والإحساس به في سنوات الطفولة وإن روح الطفل حساسة إزاء اللحن الموسيقي .والموسيقى تعمق الأحساسات الشاعرية والخيالية في طبيعة الطفل .ويستحيل أن ينمو الطفل جيد الذهن دون تربية موسيقية ، والموسيقى هي التي تصطحب الطفل الى عالم الخيروشأنها شأن الكلمة تعبر عن المشاعر الإنسانية الحقيقية .
التربية الموسيقية ليست إعدادا للطفل كي يصبح موسيقيا بل هي تربية له كي يصبح إنسانا . وحين نطور إحساس الطفل بالموسيقى نضفي النبل على أفكاره وطموحاته ، واللحن الموسيقي يكشف عن منجم للمشاعر الإنسانية في قلب كل طفل وتعتبر الموسيقى والألحان وسيلة هامة للتربية المعنوية والذهنية للإنسان ومصدرا لنبل القلب وصفاء الروح .كما انه وبفضل الموسيقى تتأجج في أعماق الإنسان افكاره عن عظمة وروعة العالم المحيط وحسب ، بل وشخصيته ذاتها . ويمكن القول ان الموسيقى وسيلة قوية لتربية النفس .
وجعلتني خبرة السنوات الأخيرة من عملي كمدّرسة حين كلفت (بضم الكاف )بتدريس الموسيقى رغم اني لااجيد العزف على اية آلة موسيقية ، لكني احب الإستماع اليها وخاصة الكلاسيكية منها ،ان اكتشف بأن العالم المحيط يتفتح امام الطفل ليس بالكلمة الحية المعبرة فحسب بل وفي اللحن الموسيقي . وادركت بأن الموسيقى هي افضل ارضية تظهر عليها الصلة الروحية بين المربي والطفل ، كما انها تؤجج لدى الأطفال التصورات الرائعة وتعتبر وسيلة لامثيل لها لتنمية قوى العقل الإبداعية وتوقظ الطاقة الفكرية حتى لدى الأطفال الخاملين .وفي إحدى المرات اصغى تلاميذي الصغار الى اغنية للأطفال بعنوان " غنمي " بعدها طلبت منهم ان يرسموا صورة لهذا اللحن الموسيقي . وبسرعة امتدت اياديهم نحو كراسات الرسم والأقلام الملونة ليرسموا وادي اخضر يقف في وسطه راعي ينفخ في مزماره ليجمع الغنم قبل ان يهجم عليها الذئب ويفترسها .ورسموا المدرسة وغرف الدراسة والتلاميذ وحتى الباصات التي تنقلهم الى المدرسة بعد أن استمعوا الى اغنية الأطفال بعنوان "مدرستي ". وبالموسيقى استطعت أن انمّي اهتمامات الأطفال بالرسم والحكاية .وجعلتني سنوات عملي في المدرسة الأبتدائية على يقين من مدى جسامة الدور الذي يلعبه مدرس الصفوف الأولى في حياة الطفل ، وإن حياة الطفل الروحية لاتصبح متصلة الجوانب إلا حين يعيش في عالم الألعاب والحكايات والموسيقى ، وبدون ذلك يصبح كالزهرة المجفف